قد تمرّ علينا لوحة، أو أغنية، أو كتاب، فنشعر أنها لا تُشبه غيرنا، وكأنها كُتبت خصيصًا لأجلنا. تلامس أرواحنا، وتنطق بما نعجز عن قوله، وتعبّر عن أشياء صامتة في دواخلنا. لكن، ماذا لو اكتشفنا أن صانع هذا الفن الرائع، الذي لامس أعماقنا، هو في الحقيقة إنسان سيّئ؟ إنسان يحمل مواقف أو سلوكيات تخالف إنسانيتنا، وربما تتصادم مع قيمنا التي نؤمن بها بعمق؟
أحيانًا يصعب بشدة أن نفصل بين الفن المبدع الذي ابتكروه، وبين شخصهم الحقيقي المليء بالعيوب، خصوصًا حين تكون هذه العيوب متناقضة مع مبادئنا الاخلاقية. في تلك اللحظة، تصبح علاقتنا بالفن معقّدة؛ فنشعر بتناقض مؤلم بين الجمال الذي لمسنا، والقبح الذي انكشف.
والأمثلة على ذلك كثيرة، حتى يكاد يصعب أحيانًا العثور على فنان يخلو تاريخه من الجدل أو السلوكيات المثيرة للتساؤل. فعدد الفنانين الذين ارتبطت أسماؤهم بمعتقدات خاطئة أو أفعال مرفوضة ليس بقليل؛ حتى وأن كانت أعمالهم تحمل جمالًا كثيرًا.
الرسّام الفرنسي بول غوغان (1848–1903) اشتهر بلوحاته الخلابة والمفعمة بالحياة، لكن حياته الشخصية تثير الكثير من الجدل. فقد قيل إنه تخلّى عن زوجته وأطفاله، وانتقل للعيش في جزر تاهيتي حيث أقام علاقات مع فتيات قاصرات، ورسم لهن لوحات عارية. لا يزال غوغان حتى اليوم يُنتقد بسبب هذه الأفعال. وفي أحد المتاحف العالمية بلندن، تُعرض لوحاته مرفقة بسيرة حياته الشخصية، ليقوم المشاهد بالحكم بنفسه، ويُعرض الفنان على حقيقته لا على فنه فقط.
أما المخرج البولندي رومان بولانسكي (مواليد 1933)، فقد أخرج عددًا من أعظم أفلام السينما مثل Rosemary’s Baby(1968)، وChinatown (1974)، وThe Pianist (2002) الحائز على جائزة الأوسكار. رغم براعته في التصوير وسرد القصص الإنسانية، إلا أن خلف عبقريته الفنية يكمن إنسان متهم بجريمة خطيرة: ففي عام 1977، اعتُقل بولانسكي بتهمة اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، ثم هرب من الولايات المتحدة خوفًا من العقوبة. ورغم ذلك، واصل صناعة الأفلام، ولا يزال بعض معجبيه وممثليه يدافعون عنه ويتعاونون معه.
فنان آخر مثير للجدل هو الكاتب الأمريكي ويليام بوروز (1914–1997)، أحد رموز حركة “البيت” الأدبية. يُعرف برواياته التي تكسر التابوهات مثل Naked Lunch (1959)، والتي أثرت في الأدب والفكر الغربي الحديث. لكن حياته الشخصية لم تكن أقل إثارة للقلق، فقد كان مدمناً على المخدرات، وأطلق النار على زوجته في حادثة غامضة خلال “لعبة ويليام تيل”، وقُتلت على الفور. رغم ذلك، وُاصل نشر الكتب وأصبح أيقونة أدبية لدى البعض.
في بعض الحالات، تساعدنا معرفة الخلفية الشخصية للفنان في فهم طبيعة أعماله، لكن هذا لا يعني تبرير أفعاله أو الدفاع عنها. من الأفضل أن نحاول، قدر الإمكان، فصل الفنان عن فنه كي نتمكن من الاستمتاع به، مع الوعي الكامل بشخصه الحقيقي، دون التعمية عليه أو التغاضي عن سلوكياته. وفي الحالات الشديدة، لا بأس أبدًا في مقاطعة الفنان وفنه معًا، خصوصًا حين يُعمينا الإعجاب الشديد عن رؤية الحقيقة. المشكلة الكبرى تحدث عندما يتحول هذا الإعجاب إلى تبرير أعمى، أو دفاع عن أفعال لا تُغتفر.
من الأسهل أحيانًا تقبّل فن من فنان توفي منذ قرون، إذ لم نعد نشهد حضوره أو نسمع صوته، لكن في عالمنا المعاصر، حيث نتابع المشاهير يوميًا، ونرتبط عاطفيًا بمحتواهم، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. وقد نصطدم فجأة بمواقفهم التي تخالف أخلاقياتنا، أو تصريحات عنصرية وتمييزية، فنقف في حيرة: هل لا زال بوسعنا أن نستمتع بما يصنعون، دون أن نُشارك في تمجيد ما هم عليه حقًا؟
ربما لا نملك إجابة واحدة صحيحة، لكن كل ما نملكه هو الوعي.
بقلم: حصَّة
في نظري، كل أنواع الفن قابلة للإستمتاع بغض النظر عن حياة الفنان، أو حتى الموضوع الذي يناقشة الفن.. الاختلاف في وجهات النظر و الإطلاع عليها رغم بعدي الشديد عنها بالنسبة لي متعة عظيمة.
لو بدأنا بقبول “فن” او “اكتشاف” او “فكرة” او “اختراع” او رفضه بناء على صاحبه لا على جوهر الشيء ، لتوقفنا عن التقدم في كل شيء